الفيلسوف الفرنسي أندريه كونت سبونفيل: علمتنا كورونا أهمية التضامن ، وحب الحرية ، والحياة

ترجمة : عدوية الهلالي



 

يؤكد الفيلسوف أندريه كونت سبونفيل أنه ليس خائفا من كوفيد 19 ، وإنما يخشى المناخ المثير للقلق الذي يسببه الوباء مقتبساً من فيلسوف القرن السادس عشر مونتين الذي واجه الطاعون عام 1585 مقولته :" أكثـر ماأخاف منه هو الخوف " ، إذ يشعر سبونفيل بالقلق من استمرار الاجراءات الصحية خوفاً على مصير الأجيال الشابة ،مستنكراً مخاطر مايسميه " النزعة الطبية الشاملة " ..

قناة TV5 MONDE) ) أجرت حواراً مع الفيلسوف أندريه كونت سبونفيل مؤلف كتاب ( المعاهدة الصغيرة للفضائل العظيمة ) والذي ألف عشرين كتاباً ليتحدث عن شعوره تجاه مجتمع ما بعد الحجر الصحي في زمن وباء كورونا قال فيه :

لقد صدمني هذا النوع من الذعر الجماعي الذي استولى أولاً على وسائل الإعلام ، والسكان أيضاً ، كما لو أننا اكتشفنا فجأة أننا بشر ، لقد كنا بشراً قبل فايروس كورونا وسنكون بعد ذلك، وعلينا أن نتذكر أن الغالبية العظمى منا لن يموتوا بسبب فايروس كورونا ، وكما يقول مونتين :" أنت لاتموت لأنك مريض ، بل تموت لأنك على قيد الحياة " ..بعبارة أخرى ، فالموت جزء من الحياة ، وإذا اعتقدنا في كثير من الأحيان إننا بشر ، فإننا نحب الحياة أكثر لأننا سنعتبر أن الحياة هشة وقصيرة وهذا هو السبب في أن الوباء ، على العكس من ذلك ، يدفعنا الى حب الحياة أكثر ..أنا انصحكم بقراءة كتب مونتين لأنه يعلمنا أن نحب الحياة بدلاً من الخوف ، وأن نتقبل عقد نقصنا بدلاً من لوم أنفسنا عليها ..إنه يعلمنا أن نعيش بسعادة وحرية ونقاء قدر الإمكان ..

*هل هذه هي نهاية العالم ؟

-إذا كانت معدلات الوفاة تتراوح مابين 1-2% وربما أقل ، كيف يمكن أن تكون هذه نهاية العالم إذن ؟ تذكروا أيضاً أن هذا ليس الوباء الأول الذي نشهده ..يمكننا استحضار الطاعون ، في القرن الرابع عشر ، الذي قتل نصف سكان أوروبا. كما أن وسائل الإعلام تذكرت مؤخراً ، أن إنفلونزا هونج كونج في الستينيات تسببت في مقتل مليون شخص و قتلت الأنفلونزا الآسيوية في الخمسينيات أكثر من مليون شخص. بعبارة أخرى ،كان الموت أكثر بكثير مما هو عليه اليوم في العالم. صحيح إن الموت واقع حزين للغاية ، وكل الوفيات محزنة بشكل واضح ، لكن تذكروا بأن 600 ألف شخص يموتون سنوياً في فرنسا. وأن السرطان وحده يقتل 150 ألف شخص سنوياً في فرنسا.لماذا يجب أن أحزن حصرياً على المتوفين من فايروس كورونا الذين يبلغ متوسط أعمارهم 81 عاماً؟ تذكروا ، مع ذلك ، أن 95٪ من الوفيات الناجمة عن كوفيد 19 تزيد أعمارهم عن 60 عاماً.وأنا قلق بشأن مستقبل أطفالي أكثر من قلقني بشأن صحتي في السبعينيات من عمري.إنها مجرد أزمة صحية وليست نهاية العالم.

* فما هو الأهم من دور الطب في هذه الأزمة؟

- يبدو أن المجتمع يريد كل شيء من الطب ..في الواقع ،هنالك ميل منذ فترة طويلة لجعل الصحة هي القيمة العليا ولم تعد الحرية والعدالة والحب هي القيم العليا الحقيقية بالنسبة له ..أنا اعتقد أن الصحة مجرد وسيلة ، بالتأكيد هي ثمينة بشكل خاص ، ولكنها وسيلة لتحقيق هذا الهدف الأسمى وهو السعادة .أنا أحرص على عدم جعل الصحة القيمة العليا. أحرص على عدم طلب الدواء لحل جميع مشاكلنا. نحن ، بالطبع ، على حق في أن نحيي العمل الهائل للكوادر الطبية لدينا في المستشفيات. لكن هذا ليس سبباً ليحل الطب محل السياسة والأخلاق والروحانية والحضارة.لقد قال لي صديق وقت الإصابة بالإيدز: "عدم الإصابة بالإيدز ليس هدفاً كافياً في الحياة". لقد كان محقاً. حسناً ، سأميل اليوم إلى القول ، "إن عدم الإصابة بـ كوفيد 19ليس هدفاً كافياً في الحياة".

*منذ 200ألف عام ، كان البشر ممزقين بين الأنانية والإيثار. لماذا تريد الأوبئة أن تغير البشرية؟ 

-هل تعتقد أن مشكلة البطالة لن تظهر بعد الوباء؟ حكومتنا تتحمل ديوناً أكثر لمعالجة المزيد من الناس ، لإنقاذ المزيد من الأرواح. جيد جداً. لكن الأرواح التي ننقذها هي في الأساس حياة الأشخاص فوق سن 65. ديوننا هم من سيدفعها أطفالنا. لقد قال الرئيس ماكرون، الذي أكن له قدراً كبيراً من الاحترام ، "أولوية الأولويات هي حماية الأضعف". لقد كان محقًا في تصريحه أثناء تفشي الوباء ، لكن أولويتي القصوى هي الأطفال والشباب بشكل عام.وأتساءل، كيف يكون هذا المجتمع الذي يجعل كبار السن فيه أولوية قصوى. هنالك مشاكل أكثر خطورة من كورونا ..الإدمان مشكلة كبيرة ، بطالة الشباب هي مشاكل ، ، وكذلك الاحتباس الحراري ، ومايحدث للكوكب الذي سنتركه وراءنا لأبنائنا.سيقتل الاحتباس الحراري عدداً أكبر بكثير من الناس مما سيفعله وباء كوفيد 19..أنا لاأدين الحجر الصحي لكن هنالك أشياء أكثر خطورة بكثير من كوفيد 19 في العالم ..

*تسببت إنفلونزا عام 1968 - "إنفلونزا هونج كونج" - في مقتل ما يقدر بنحو مليون شخص ، مع عدم اكتراث عام تقريباً....لماذا ، بعد خمسين عاماً ، تتفاعل مجتمعاتنا بشكل مختلف تماماً مع تهديد فايروس كورونا؟

- إن ما يسمى بالإنفلونزا "الآسيوية" ، في 1957-1958 ، كان لها تأثير أكبر ، وقد نسيها الجميع. ولهذا الاختلاف في النظرة الى الوباء ثلاثة أسباب رئيسة كما أرى ..السبب الأول هو العولمة في جانبها الإعلامي فنحن الآن نعرف على الفور بكل ما يحدث في العالم ، على سبيل المثال ، كل يوم ، نعرف عدد الوفيات في الصين أو الولايات المتحدة أو في إيطاليا أو في بلجيكا والسبب الثاني هو " التحيز المعرفي " تجاه مرض جديد ولهذا السبب فهو يقلق ويفاجئ أكثر ، أما السبب الثالث فهو تهميش الموت مايجعله عندما نتذكره ، غير مقبول أكثر من حالات الموت الأخرى ..

*هل تغيرت علاقتنا بالموت؟ هل أصبح الموت بطريقة ما غير مقبول اليوم؟

-لقد كان دائماً كذلك ، ولكن كلما قل تفكيرك في الأمر ، أصبحت أكثر خوفاً منه عندما تقترب. كوفيد 19 ليس السبب الوحيد للموت ، على الصعيد العالمي ، هنالك ماهو أسوأ بكثير إذ يقتل سوء التغذية 9 ملايين شخص كل عام ، من بينهم 3 ملايين طفل.

 

إرسال تعليق

0 تعليقات