حاوره- علاء المفرجي
ولد المخرج د عقيل مهدي يوسف في الكوت عام 1951 ، أنهى البكالوريوس بجامعة بغداد كلية الفنون الجملية قسم الفنون المسرحية عام 1972 حصل على شهادة الماجستير والدكتوراه من جامعة فيتس / بلغاريا عام 1982-1983
تدرج بالوظائف بدءاً من مدرب فنون في كلية الفنون الجملية مروراً بأستاذ في قسم الفنون المسرحية ومن ثم رئيساً لقسم الفنون المسرحية ، وانتهاءً بمنصب عميد كلية الفنون الجميلة جامعة بغداد .
أصدر د. عقيل مهدي العديد من الكتب العلمية الأكاديمية في جملة من الاختصاصات والمخاصب الفنية منها: الجمالية بين الذوق والفكر، التربية المسرحية في المدارس، نظرات في فن التمثيل، الواقعية في المسرح العراقي، مسرح ما بعد الحداثة، متعة المسرح، جماليات المسرح الجديد، التعريف الجمالي، العملية النقدية، - السؤال الإبداعي.. وأسس نظريات التمثيل، التقاط الجمال، والفضاء الجمالي للمسرح
والفنان المخرج العراقي الكبير عقيل مهدي محطة مبهرة من المحطات التي سجلتها الذاكرة المسرحية العراقية بفخر وكبرياء ، لأنه ارتقى منصات البوح من خلال فضاءاته الجمالية ، واستنباطاته الفلسفية.
حاورته (المدى) عن تجربته الطويلة في المسرح مخرجاً ومؤلفاً وناقداً.. أستاذ الجمال في المسرح.. والذي نهجت على خطاه أجيال من المسرحيين.
- تنتمي الى جيل المخرجين الأكاديميين او ما يعرف بالجيل المسرحي الأكاديمي الثالث الذي ضم اسماء مهمة في الحركة المسرحية العراقية ومنها المبدع الراحل (عوني كرومي) و(صلاح القصب) و(فاضل خليل) و المخرج (عادل كريم) .. هل استطاع هذا الجيل أن يؤسس تجربة خاصة به في المسرح العراقي.
• يمكن تسمية تجربة د. عوني , د. صلاح , د. فاضل , د.عقيل ,د. عادل بالمسرح ( الأكاديمي الثالث ) التي جاءت بعد تجربة الأساتذة الرواد ؛ مثل إبراهيم جلال , جعفر السعدي , جاسم العبودي , سامي عبد الحميد , بدري حسون فريد ، وهم من طلبة ( حقي الشبلي ).
ونحن بدورنا ممّن تدرّب على أيديهم في فنون العرض المسرحي . وقد انفرد كل واحد منا ببعض الخصائص والسمات مثلاً عوني , اتخذ مثاله من ( بريخت ) بشكل واضح في مسرحه الألماني الملحمي . صلاح من مسرح الصورة بإتجاه المعنى المفهومي حين تعامل مع نصوص شكسبير وتشيخوف أو مع نص روماني ( أحزان مهرج السيرك ) وسواها .
أما أنا وفاضل وعادل ، فقد أفدنا من المسرح البلغاري ) وعروض فيليبوف ، وستيانوف ، بمعنى نحن درسنا في بلدان أوروبا الشرقية , كان فيها في ألمانيا بريخت وسبقه جوته وفلاسفة كبار. وفي رومانيا كان مسقط رأس ( تزارا ) مؤسس الدادائية والسريالية فيما بعد , وكذلك (مارتن أسلن ) روماني الأصل , وأنا وفاضل وعادل في بلغاريا ، كان أيضاً من المؤثرين على ( الثقافة العالمية) ومن أصل بلغاري هو ( تودوروف ) و (كريستفا ) .
فضلاً عن تعاملنا كلنا مع مؤلفين عرب وعراقيين , عادل مع الكلاسيكية ( الإغريقية ) ، وأنا في نصوصي التي قمت بتسميتها وإخراجها بمسرح ( السيرة الإفتراضية ) , وفاضل تعامل مع نصوص عربية وعالمية ، ولكنه ركّز على تجربته مع يوسف العاني ، وبهذا مثّل كل منا تجربته المسرحية الخاصة .
- أستطيع أن اقول إنك أسست لمسرح السيرة في المسرح العراقي، أنْ لم أقل كنت رائداً فيه، وتناولت في مسرحياتك شخصيات مسرحية وفكرية وثقافية وأدبية فكانت عروض رائعة كمسرحيات بدر شاكر السياب، يوسف العاني يغني، جواد سليم، حقي الشبلي، علي الوردي، وحاولت أن تتفاعل بمسرحياتك مع الوقائع التاريخية على أسس جمالية جديدة.. ماذا تعلق على هذا الرأي؟
• تقوم تجربة ( السيرة الافتراضية ) على استعارة درامية جمالية وعرض مسرحي جديد تتجاوز فيه المنطق الحرفي للواقع وتقوم بتغريبه بإقتراح بديل ( مسرحي ) عن صاحب السيرة الذي جعلته في تجربتي محوراً رئيساً في العرض مع تقديم ( البطل – الضد ) الذي يسعى لإفشال مشروع الشخصية الإيجابية المنسجمة في إبداعها المتفرّد ومجالها الاجتماعي الخاص في منطقها الإنساني ضد عبثية الانحراف المشوّهة للقيم المستقبلية الحرّة ، فهو يناضل من أجل ترسيخ الإيجابيات في وجدان المتفرجين من خلال الدراما والعرض .
تراهن السيرة الافتراضية على أصول ومصادر ومرجعيات تخص ( صاحبها ) ، وتصبح ( بؤرة) لبناء سلسلة من ( تأويلات ) متدفقة بأبعادها المتخيلة المحفزة وتقنياتها الفنية لتحقيق هدفها المسرحي جمالياً في كيفية بناء العرض بنسق رؤيوي خاص لتجسيد هذه الشخصية وتأطيرها الإفتراضي بذرائع اقترحها من خلال منظور الحاضر لتلك الأبعاد التاريخية لكبار الأعلام والرموز ( العراقية ) الملهمة وتأتي معها رموز عربية وأخرى أجنبية بمواقفهم المتقاطعة ، حيث يُعاد تركيبهم برؤية فنية خاصة ، وبالتالي أسعى لتحقيق ( إنزياحاً ) عمّا يسمى ( بالوقائع التاريخية ) الخارجية ، سواء كانت بواقع بيولوجي أو يومي وأبتداع فضاء فني جديد تتجسّد فيه شخصية البطل ، مثلاً في مسرحية ( علي الوردي وغريمه ) حوّلت أفكاره الى كينونة بشرية ( فنية ) وهذا حتّم عليّ توظيف ( التوليف) الذي يرتفع بالشخصية الى أفق آني مُعاش الآن واليوم في زمن ما بعد التغيير في العراق ، حيث يظهر ( الوردي ) وهو يخوض نضالاً ضد التعصب والإرهاب والعنصرية ، ولكن في ( زمن قادم ) يخص قيام أفعال إرهابية ، زمن الاحتلال الاميركي – الدولي ، الذي يمثّل كشفاً جديداً بإضافة معنى معاصر على ( القديم ) الذي كان يعيشه الوردي فعلاً .
- هل تشكل علاقـــة المخرج بالمؤلف ، وضعاً مقلقــــاً ؟ قلت ذلك بمقال لك.. هل لذلك علاقة بمسرحيتك ” علي الوردي وغريمـه ” ماذا تقول؟
• نعم تشكلّ علاقة ( المخرج ) بــــ ( المؤلف ) وضعاً مقلقاً ، وبالأخص في مسرحية ( علي الوردي وغريمه ) ، فمن الناحية ( الظاهراتية ) ينبغي أن أقوم بإنشاء وتركيب العرض إخراجياً وذلك من خلال ( تعليق ) الوجود التاريخي، والجغرافي في ( الزمان ) و ( المكان ) لأضعه بين قوسين لأجعل تجربة الإخراج قادرة على ممارسة حرية واسعة الآفاق بأساليب فنية مكثفة ودالة بقصدية ، تنقل ( ماهية ) علي الوردي الاجتماعية ، الى أبعاد حسّية ( للظاهرة ) المادية التي يمثلها ، فيصبح تأمل العالم منبثقاً من خلال شعور هذه الشخصية المحض ، وبأصالة متفردة وبشعور حدسي يخاطب جمهوره بوعي فكري في لبوس مسرحي مفترض للتبصّر مع الجمهور في حاضرنا المعاش ببؤره المتشظية وصراعاته المحتدمة الماحقة من خلال متابعة مجرى أحداث عرض مسرحي ( مستقل ) و ( حرّ ) بالممكنات المتخيّلة والمعبرة عن هدف نموذجي أعلى لشخصية الوردي في بنية اجتماعية ومعرفية خاصة به .
وهنا تنبثق معضلة إخراجية تخص المشابهة الشكلية الخارجية ما بين الوردي والممثل الذي يؤدي هذا الدور ، في حين قامت فرضية الإخراج على التقاط الجمال الروحي ( الموحي ) و ( المحتمل ) وليس الرهان على مشاكلة خارجية لفرد ، توفاه الله ولم يعد يعيش في زماننا الحاضر هذا .
الأمر الذي اقتضى مسرحياً ابتكار صراعات وأحداث وحوارات وأفكار ، ومعايير متقنة بإنفتاح مستقبلي لجعل الجمهور يستلهم ذلك الثراء التقدمي الملتزم لشخصية علي الوردي المتميزة ، وما يمثله ( غريمه ) من انحدار في الوعي وانحطاط في سلوكه الإجرامي الهدّام .
وأنا ( مخرجاً ) أعدتُ اكتشاف دلالات ما كتبته أنا في هذا ( النص ) وكأنها كانت مخفية عني ومضمرة في الكتابة قبل ولوجي في (إخراج العرض) بنيةً وتركيباً .
0 تعليقات