ساوة / متابعات
في شهر آب من كل عام، تتزين الأسواق والموائد العراقية بالصنف الأكثر جودة وغلاءً بين أصناف التمور وهو “البرحي” الذي ينضج في أيام القيظ الشديد ويتميز بنكهته الحلوة، إلا أن إنتاج هذا النوع النادر والذي بلغ ذروته في مطلع ثمانينيات القرن الماضي بـ 32 مليون نخلة في محافظة البصرة جنوبي البلاد، تناقص بشكلٍ مخيف خلال الأعوام الأخيرة، بفعل عقود من الحروب والإهمال ليصل الى ثلاثة ملايين فقط، فيما ينتشر بشكلٍ ضئيل في عدد اخر من محافظات الوسط والجنوب.
إن نخلة البرحي نخلة عراقية بصرية أصيلة، وقد زرعت للمرة الأولى عن طريق احد الفلاحين في قضاء ابو الخصيب في القرن التاسع عشر، وقد تم زراعتها من نوى النخيل، إلا ان انتشارها في البلاد حصل بعد العام 1900 اي في القرن العشرين.
لم تكن نخلة البرحي موجودة بين أنواع النخيل تاريخياً، إلا أنه يقال إن أصلها دقلة، أي لا يعرف لها أصل إنما جاءت من النواة، ويطلق عليه في العراق والسعودية الغيباوي، ومما يذكر أيضاً أن أول ظهور للبرحي كان في قرية كوت الزيدان في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي وكوت زيدان من قرى قضاء أبو الخصيب على شط العرب جنوب البصرة.
وقال الشيخ عبد القادر باش أحد أعيان البصرة، أخذ اسم البرحي نسبة للمنطقة التي ظهر فيها اسم البراحة أي الأرض الخالية من المباني، وأن تسميتها حصلت نتيجة زراعتها في مكان مملوء بالشجر، وكان يسمى (براحة) ويتجمع فيه العمال في ذلك الوقت للاستراحة من اعمالهم، مبينا ان “تسميتها جاءت من هذا المكان لظهورها للمرة الاولى فيه”.
وهذه المعلومة ظهرت في دراساته المتعددة، وقد حافظت عليه الحكومات العراقية المتعاقبة في العهد الملكي ومنعت تصديره إلى الخارج. وانتقل البرحي إلى المملكة العربية السعودية بواسطة عبدالله بن محمد البسام، وهو أول من نقل فسائل البرحي إلى القصيم، والقصة طريفة جداً، كما يذكر في معجم بلاد القصيم الجزء الأول، إذ إن عبدالله البسام أخذ فسيلين ولفهما بحصير من الخوص وحملهما على بعير وأخذ بعيراً آخر يحمل ماءً كافياً لسقاية الفسيلين واستغرق السفر من البصرة حتى القصيم حوالي 3 أسابيع، وكان يسقي الفسيل بشكلٍ مستمر، ولمّا وصل عنيزة غرس الفسيلين في مزرعته المويهرية ولكن أحد الفسيلين مات ولم يعش في الأرض ونجح الفسيل الآخر، وجميع البرحي في المملكة العربية السعودية جاء من هذا الفسيل، ويضيف صاحب تحفة المشتاق في أخبار نجد والعراق، ان آل البسام غرسوا في مزرعتهم عام 1905 فسيلاً آخر من نوع السكري جُلب من البصرة ايضاً.
ويعد “البرحي” من التمور العراقية البصرية المعروفة والمميزة عالميا، لخلو ثماره من المادة العفصية القابضة في مرحلة تحوله إلى التمر. يؤكل خلالا ورطبا وتمرا، ويتبدل لونه خلال المراحل من الأخضر فالأصفر إلى البني المحمر، ويحتوي على نسب عالية من السكريات، وهو غني بشكل كبير بالفيتامينات.
0 تعليقات